جبال البلقاء الاخباري: لذكر الله أرواحنا عطشى
وأفضل أعمال أولي النهى
فيه سعادة فيه منن عظمى
به يذكرك الله في الملأ الأعلى
عندما نظم ابن مالك ألفيته المشهورة في علم النحو ، أتى بأمثلة فيها من الدلالات الشرعية العظيمة ، المستمدة من الشرع وقواعده ، وتقريراته ، ومن ذلكم عند قوله
فارفع بضم وانصبن فتحاً وجر ... كسراً كذكر الله عبده يسر
يعني: أن أصل الإعراب أن يكون بالحركات والسكون، فأصل الرفع أن يكون بضمة. وأصل النصب أن يكون بفتحة، وأصل الجر أن يكون بكسرة، وأصل الجزم أن يكون بالسكون، إذ لا حظ له في الحركات، فكان حظه حذفها.
ومثاله للرفع والنصب والجر قوله "ذكرُ اللهِ عبدَهُ يسُرّ". فنعم النظم ونعم المثل ،
فالمثال يدل على أن ذكر الله فيه مجمع السرور والبركة للعبد ، لما في ذلك من الترقي لنيل محبة الله وتوفيقه ، لما التزم به الإنسان وامتثل لأمر ربه قال تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وقال تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205] وقال تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10]
ومن بركات الذكر أنه يحيي القلوب ويجعلها تعيش بطمأنينة ، والروح تتنعم بالتفكر في عظيم منن الله ، عنْ أَبي هُريرةَ، رضي اللَّه عنْهُ، أنَّ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ :"يقُولُ اللَّه تَعالى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعهُ إِذَا ذَكَرَني، فَإن ذَكرَني في نَفْسهِ، ذَكَرْتُهُ في نَفسي، وإنْ ذَكَرَني في ملأ ، ذكَرتُهُ في ملأ خَيْرٍ منْهُمْ" متَّفقٌ عليهِ.
لكن ذكر الله له نور يمتد للجوارح، ينبغي لصاحبه الانتفاع منه فيقف عند المحرمات فلا ينتهكها، قال الْحَسَنِ البصري: الذِّكْرُ ذِكْرَانِ ، ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ نَفْسِكَ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَحْسَنَهُ وَأَعْظَمَ أَجْرَهُ ، وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ ذِكْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وجل" وبذلك يقع الوئام والانسجام بين الذكر اللساني والقلبي ، وامتثال الجوارح ، وطمأنينة الفؤاد ، وسكينة الروح ، ومفتاح السعادة .