جبال البلقاء الاخباري: في الحديث الذي أورده البخاري عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، إِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ، فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلاَ يَقْعُدَ، وَلاَ يَسْتَظِلَّ، وَلاَ يَتَكَلَّمَ، وَيَصُومَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ» قَالَ عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رواه البخاري وأبو داود)
اشتمل نذر هذا الصحابي رضي الله عنه على مجالين ، مجال طاعة ، وهذا مما يجب الوفاء به ، ومجال اخر مباح كالقيام لكن ربما انتقل المباح الى ضار كالقيام في حر الشمس بما يلحق الضرر وفي ذلك معصية ، وهذا لا يتم الوفاء به ، قال الخطابي في معالم السنن :"قد تضمن نذره نوعين من طاعة ومعصية فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بما كان منهما طاعة وهو الصوم وأن يترك ما ليس بطاعة من القيام في الشمس وترك الكلام وترك الاستظلال بالظل ، وذلك لأن هذه الأمور مشاق تتعب البدن وتؤذيه ، وليس في شيء منها قربة إلى الله سبحانه ، وقد وضعت عن هذه الأمة الآصار والأغلال التي كانت على من قبلهم.
قلت في هذا الحديث أيضا ضرورة التفكير والتحديد
1-تحديد الطاعة من خلال الفهم الشرعي وقواعد التكليف في الإسلام ، ومعرفة المفروض والحرام وما بينهما من مباح ومسنون ومكروه.
2-ويكون ذلك من خلال مراجعة المؤسسات الشرعية المعتمدة؛ لأنها تقوم على التفكير الجماعي المؤسسي، واحترام التخصص ومراعاة حال المستفتي.
3-- حتى في قضايانا العامة معرفة الحاجات المجتمعية لا يكون بالتشهي، ولا بالعفوية، ولا يكون برفع العتب، إنما يعتمد على التصور والفهم العميق لاحتياجات الناس، والمجتمع، ومعرفة الضروري المهم، وتحديد الأولويات
4-واذا خلا الأمر عما قدمنا سينتهي الحال للمزاجية والتي هي مرفوضة وسلبية ، وخاصة إذا ما قام البعض بأداء العبادات خلاف منهج اليسر والضوابط الشرعية، فإذا كان هذا مما يجب مراعاته في أداء التكاليف الشرعية فإنه كذلك مما يعمق في نفوس المؤمنين ترتيب احتياجاتهم في دنياهم ، وانتظام معاشهم وفق أولويات علمية ، وفق برامج وخطط مدروسة ، وليست أحاديث لتفاخر بعضهم على بعض ، بل لخدمة دينهم وأمتهم ووطنهم .