الثلاثاء , 29 كانون الأول , 2020 :: 4:39 م
(هدىً للمتقين) ... إعداد د.هاني خليل عابد
جبال البلقاء الاخباري: من أول ما تحدثنا عنه سورة البقرة وتمدحه من الجنس المخلوق وفي مقدمتهم البشر ، هم المتقون من العباد ، وفي ذلكم رسالة إلى أنّ الشرائع وختامها رسالة الإسلام جاءت لصنع هذا النوع الفريد المتميز من الناس ، فلا تصح عمارة الأرض ، ولا استقرارها إلا بمثل هؤلاء الذين يصلحون في الأرض ولا يفسدون ، يتعلقون بكل أمل للحياة ، فلا يتأخرون عن حماية ضعيف ، ولا عن إطعام جائع ، ولا عن إغاثة ملهوف .
منزلة التقوى منزلة عظمى ، تحتاج للمحافظة على الطاعات من العبادة وصحبة الصالحين ، قال حاتم الأصم لشيخه شقيق البلخي إني نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يرجع إلى المال ، وإلى الحسب ، والشرف والنسب ، فنظرت فيها فإذا هي لا شيء ، ثم نظرت إلى قول الله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فعملت في التقوى حتى أكون عند الله كريماً ( الإحياء للغزالي ) فالتقوى هي مداد الحياة الحضارية التي تدفع الإنسان لإصلاح نفسه ؛ ليسعد في الدنيا وينجو في الآخرة ، وهي خير الزاد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} [البقرة: 197](رواه البخاري )
أثر التقوى في العمل وتماسك المجتمع
التقوى هي الدافع للإعمار الحضاري ، الذي يُوجد المشاريع النافعة في حياة المجتمعات ، ومن ذلكم مسجد رسول الله صلوات الله عليه والذي كان مصنعاً للرجال الذين عمروا الأرض بكل نافع ، فعن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: مر بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، قال: قلت له: كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: قال أبي: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله، أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفا من حصباء، فضرب به الأرض، ثم قال: «هو مسجدكم هذا» لمسجد المدينة، قال: فقلت: أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره.( رواه مسلم)
والتقوى تجعل المسلم يبحث عن فعل الأفضل الذي يتمثل في الصلح ، والتماسك ، فعلى سبيل المثال المسلم لا يمنعه يمينه في القطيعة أن يستمر عليه ، بل يدعوه لفعل التقوى والتكفير عن يمينه ، قال صلوات الله عليه :"من حلف على يمين، ثم رأى أتقى لله منها، فليأت التقوى»(رواه مسلم) يعني يفعل الأفضل ، ويكفر عن يمينه ، وفي حديث النبي صلوات الله عليه الكثير مما يدعو للضبط الاجتماعي الذي يحفظ الأنفس ، والأعراض والأموال ، وبهذا يتميز الإنسان الحضاري ، فيأمنه الناس ، بحفظه لنفسه من الرأس إلى الأساس ، ولا يأت بما لا يقبله الشرع ، ولا الصحيح من القياس ، سئل النبي صلى الله عليه وسلم، ما أكثر ما يدخل الجنة؟ قال: «التقوى، وحسن الخلق» ، وسئل ما أكثر ما يدخل النار؟ قال: " الأجوفان: الفم، والفرج " (رواه ابن ماجة) والحاصل أنه َلَا خِلَافَ بَيْن الْمُسْلِمِينَ أَنَّ تَقْوَى اللَّهِ فَرْضٌ ( أحكام القرآن لأبي بكر للجصاص) فالتقوى هي توجيه السلوك بشكل منضبط نحو التفكير والعمل الإيجابي ،والعلاقات الإيجابية ، قال تعالى :"{الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} (الزخرف : 67) وعن ميمون ابن مهران أنه قال لا يكون العبد من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة شريكه .
|