جبال البلقاء الاخباري- تأسست الدولة الأردنية الحديثة على أيدي مجموعة من الرجال الأوائل الذين صُقلت شخصياتهم وكُوِنَ فكرهم السياسي في خِضم أحداث مرحلة المكابدات الكبرى التي شهدت ترهل الاحتلال العثماني وتحوله لسلطة غاشمة لقمع سكان بلاد المشرق العربي. ساهمت تلك المرحلة في تكوين فكر الرعيل الأول من بناة الأردن أمثال نجيب الشريدة وحسين الطراونة وتوفيق أبو الهدى وإبراهيم هاشم وغيرهم ممن بذلوا الغالي والنفيس في سبيل بناء الأردن الحديث.
قادت مرحلة عدم الاستقرار التي سادت المشرق العربي في أعقاب الحرب العالمية الأولى وخلال الحرب العالمية الثانية رجال الرعيل الأول لتكوين وعيهم السياسي واكتساب الخبرة اللازمة لبناء أردن حديث ومستقل وتُوِج ذلك بتأسيس امارة شرق الأردن ولاحقاً المملكة الأردنية الهاشمية. ونال أولئك الخبرة من خلال الانخراط في الأحزاب السياسية الاستقلالية والجمعيات التحررية السرية، إذ شكل ذلك الاشتباك مع الحياة السياسية تجربة اساسية في تكوين فكر الرعيل الأول.
وما أن ارسيت دعائم المملكة الأردنية الهاشمية التي بنيت بأدنى الموارد وبأعظم العزائم حتى تتلمذ رجال الجيل الثاني أمثال وصفي التل وهزاع المجالي وأحمد اللوزي وحمد الفرحان على أيدي رجال الرعيل الأول. وقام رجال الجيل الثاني بدورهم بإعداد رجال الجيل الثالث الذين ما زال الكثير منهم على قيد الحياة والذين أداروا مفاصل الدولة الأردنية في سابق الأيام واخذوا قرارات نعيش أثرها حتى اليوم.
اتسمت خدمة الأجيال الثلاث السابقة وتبوئهم للمناصب العليا في الأردن بالاشتباك مع الحياة السياسية بدايةً والتدرج في وظائف الدولة واكتساب الخبرة ومراكمتها مما أهلهم لإدارة الدولة بحنكة وكفاءة.
وقد يتساءل البعض عن سبب استذكار تلك الأيام والأجيال؛ وفي الحقيقة ينبع ذلك من تخوف شديد من عدم وجود رجال دولة مؤهلين لقيادة مستقبل الأردن خصوصاً في ظل ضعف إعداد القيادات الشبابية الحالية والتي تتسم عملية إعدادها بالحد الأدنى من الإعداد اللازم أو المطلوب لتمكينهم من قيادة مؤسسات الدولة في المستقبل. ولا تُعد تلك رؤيةً متشائمة أو انتقاصاً من الشباب الأردني، وإنما قراءة واقعية تستوجب إطلاق مشروع وطني لإعداد جيل أردني يحمل فكراً سياسياً وطنياً ممزوجاً بخبرة تمكنه من الانتقال بالأردن لمصاف الدول المتقدمة وتعزيز مناعته من الأخطار والتهديدات.
يفتقر الجيلان الرابع والخامس من الأردنيين (جيل الشباب الحالي) للإعداد السياسي والتقني الكافي لتأهيلهم لقيادة الدولة الأردنية في المستقبل. فاليوم تكاد لا تجد شباب أردني مُعد لحمل الملفات المعقدة مثل ملفات السياسة الخارجية والملفات الاقتصادية وغيرها. كما أن معظم البرامج الموجهة لتمكين الشباب ممولة خارجياً وتخضع لشروط المانحين أو تعاني من ضعف كفاءة المنظمات المحلية المُنفذة لها، فهي مشاريع لا تحمل الهم الوطني ولا تُمثل مشروعاً وطنياً يمكن أن تتبناه الدولة الأردنية حاضراً أو مستقبلاً.
الأردن الجديد وما يحيط به من ظروف محلية بحاجة لإطلاق مشروع وطني لتهيئة النشء الجديد وشحذ همته لبناء الدولة وتجاوز التعقيدات والتحديات. هذا المشروع الوطني يجب ان تقوده الدولة ومؤسساتها من خلال اخراط الشباب في عملية صنع القرار بحيث يكونوا شركاء حقيقين في صنع القرار من خلال القنوات الرسمية ومن خلال التدرج في الوظائف الهامة في أجهزة ومؤسسات الدولة. ويجب ألا يقتصر ذلك على تمكين مزيف يشرك الشباب في حوارات صورية لا يؤخذ بها.
ولا يكون تمكين الشباب واشراكهم من خلال اصطفاء نخبة منهم دون غيرهم، بل يجب أن يكون ذلك من خلال إطلاق مشروع وطني نهضوي يحمله كل شاب على ثرى هذا الوطن ويؤمن به ويسعى جاهداً لإنجاحه. كما يجب أن يكون تمكين الشباب من خلال فتح أفق الحياة السياسية وتمكينهم من الانخراط في الأحزاب السياسية وخوض الانتخابات.
يوجد في الأردن شباب واع ذي طاقات كامنة بحاجة لصقل وبناء، ولن نتمكن من بناء الجيل القادم بدون تمكينهم ووضعهم في اختبار الحياة والسياسة الحقيقي والعملي لكي يخوضوا ما خاضه الآباء والاجداد من مراحل ضرورية تساهم في تكوين الفكر والخبرة اللازمة لبناء أردن مزدهر ومنيع.
ليث فخري العجلوني